ملكوت الله ليجعله سبيله إلى الله،
وإنما يسعى من رقيه إلى تحدي الله.
قلت: إن هذا المثل ينطبق تماما على هذه
الحضارة الجاحدة التي جعلت العلم سلما للإلحاد، ولمنازعة الله.
قال: صدقت.. إن هذا المثل ينطبق على
عصرنا، العصر الذي توهم فيه الإنسان أنه حقق حلم فرعون، فرقى إلى القمر، وقد يرقى
إلى غيره من الكواكب، ولكنه لم يرقه إنسانا، وإنما رقاه بهيمة أو سبعا، رقاه لا
ليقول:﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ﴾ (آل عمران: 191)،
وإنما رقاه لينصب علم بلده الذي يمثل حقيقة عنصريته وأنانيته وجبروته.
قلت: وهو لم يكتف بذلك، بل راح يطلق كل
القيم من أجل الوصول إلى هذه الأهداف[1]..
قال: لقد ضرب القرآن لهؤلاء مثلا آخر،
وهو مثل قارون الذي اشتغل بالعلوم التي تنمي ثروته، سواء كانت علوما اقتصادية أو
تقنية، ونسي أن يعرف حقيقته وحقيقة وجوده، فخسف به وبما يملكه، قال تعالى:﴿
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ (القصص: 78)
ومثل هؤلاء أقوام قال عنهم الله
تعالى:﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا
عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
﴾ (غافر:83)
قلت: إن هذا المثل ينطبق تماما على هذه
الحضارة.. إن هذه الحضارة انشغلت بالفرح بما عندها، أو بما عند غيرها من تطور،
وغفلت عن علوم تخرجها عن بهيميتها أو سبعيتها إلى حقيقة الإنسان المكرم.
قال: لقد اعتبر الله تعالى علوم هؤلاء
جهلا.. لقد نفى الله العلم عن قوم، أو رماهم بالجهل، ثم قال مستدركا:﴿
يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ
غَافِلُونَ ﴾
[1] أشير إلى الحرب الباردة، والتي كان التقدم في مجال الفضاء
من ثمراتها.