عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ
يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ
الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (لأعراف:175 ـ 176)، فهذا مثال من
تبحر في علوم كثيرة، ربما نال منها ثمرات غيرت مسار حياته المادية، ولكنه لم يلتفت
إلى حقيقته التي تحولت كلبا إن تحمله يلهث أو تتركه يلهث، فانسلخ بذلك من إنسانيته
لأنه انسلخ قبل ذلك من آيات ربه.
قلت: إن هذا الكلب يذكرني بالدكتور جوزف
مينجيلي..
قال: لم يكن الدكتور جوزف مينجيلي واحدا،
كما أن الشيطان لم يكن واحدا.. هناك الآلاف من الذين ساروا سيرته، أو من الذين لا
يزالون يسيرون سيرته..
قلت: كلهم كلاب لا هم لها إلا عض الأجساد
التي تأوي إليها.
قال: ذلك مثل..
قلت بغضب: وهو ينطبق عليهم تماما.. لقد
عرف القرآن كيف يعبر عن القلوب السوداء التي تختزنها تلك الجثث.
قال: لقد ضرب القرآن مثالا آخر لهؤلاء،
فقال ضاربا المثل ببني إسرائيل:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ
ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ((الجمعة:5)، فبنو إسرائيل حملوا كتبهم وعرفوا ما فيها، ولكنهم نسوا
ما فيها من الهدي، ولم يشتغلوا بما يخرج حقيقتهم عن البهيمية التي أوقعتها فيها
شهواتهم.
قلت: إن هذا المثل ينطبق تماما على هذه
الحضارة.. إنها تدعي أنها تحمل القيم الرفيعة، بينما هي كالحمار، تحمل القيم
كمصنفات تصيح بها، لا كحقائق تعيشها.
قال: وضرب القرآن لهؤلاء مثلا واقعيا
آخر، فقال:﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ
لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ
الْكَاذِبِينَ((القصص:38)، ففرعون يسعى ليرقى الفضاء لا ليتعرف على