وفي موقف آخر لها يوم سيقت مع الأسرى
إلى يزيد بن معاوية قالت له: أظننت يا يزيد أنه أخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف
السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا هواناً على الله وأن بك عليه كرامة؟
وتوهمت أن هذا لعظيم خطرك، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفيك جذلان فرحا. إن الله أمهلك
فهو قوله:﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي
لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا
وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ (آل عمران: 178)، وستعلم أنت ومن بوأك ومكّنك
من رقاب المؤمنين إن كان الحكم ربّنا والخصم جدّنا وجوارحك شاهدة عليك أينا شر
مكانا وأضعف جندا.
***
وفي موقف آخر سمعته يقول: إن الحكمة
تقتضي النظر في موضوع الدعوة، لأخذ الناس بالأول فالأول، فقضايا العقيدة وأصول
الملة والديانة تأتي في المقام الأول، لأنها إن لم تصح في العبد، فلن يجدي فيه
الصنيع الحسن والعمل الطيب، قال تعالى:﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ (الكهف: 103 - 105)
ففي الدعوة كليات وجزئيات، وواجبات
ومستحبات ومحرمات ومكروهات، وقضايا كبرى وصغرى.. كل يجب أن تعرف مواقعها وتوضع في
مواضعها.
لقد نبه a إلى هذه الناحية المهمة حين قال لمعاذ
حين بعثه إلى اليمن: (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأعلمهم
أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن
الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على