سرت مع محمد المهدي إلى مقر حكمه على سيارته الخاصة.. والتي لم
يكن لها من الشارة ما كان لسيارات القادة والزعماء.. بل كانت بسيطة، وكان يقودها
بنفسه.
كان لمقر الحكم جناحان، كتب على أحدهما (الهيئة الدستورية)،
وكتب على الثاني (مجلس الشورى)، سألت محمدا المهدي عنهما، فقال: لقد استننت بسنة
رسول الله a في
إقامة الحكم على هاتين الدعامتين الكبيرتين: دعامة الدستور، ودعامة الشورى، فلا
يمكن للعدالة أن تقوم من دونهما.
قلت: للعدالة هيئات كثيرة.. فكيف اختصرتها في هاتين؟
قال: للعدالة قوانين نظرية تنطلق منها، وهي التي يتشكل منها
الدستور، ولها تطبيقات عملية، وهي التي تستدعي استشارة أهل الاختصاص.
لقد أشار رسول الله a إلى كلتا الدعامتين، فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة
وإن أمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدى، فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى
وسنه الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)[1]، ففي هذا الحديث ذكر رسول الله a سنته باعتبارها المرجع الأعلى،
والذي يمثل الدستور، وذكر سنن الخلفاء الراشدين[2] وهي تمثل الآراء البشرية السديدة
التي تخدم الدستور، وتوفر المناخ الصالح لتطبيقه.
الدستور:
دخلت مع محمد المهدي إلى ما يسمى بـ (الهيئة الدستورية)، فرأيت
نفرا من الناس كل منهم يحمل ملفا، وبيده قلم أحمر، وكأنه أستاذ يصحح أوراق
الإمتحان، سألت محمدا عن هؤلاء، فقال: هذه هي الهيئة الدستورية.. ونحن نعرض عليها
كل ما نريد تنفيذه في هذه البلدة،
[1] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وابن ماجة.