وذكر لنا أنه لوحظ على الشعوب آكلات لحوم الجوارح أو غيرها من
اللحوم التي حرم الإسلام أكلها أنها تصاب بنوع من الشراسة والميل إلى العنف، ولو
بدون سبب إلا الرغبة في سفك الدماء..
بعد أن أنهى النادل حديثه عن الأضرار المرتبطة بالجوارح قال
الرجل: أهذه هي المحرمات من المطاعم في دينكم؟
قال النادل: لا .. هذه بعضها فقط.. وهناك غيرها مما يدخل في
الخبائث.. فإن شئت أن تعلم علمها فاذهب إلى فقهاء هذه المدينة.. أما أنا فيكفيني
أن أدلك على ضابطها.
قال الرجل: وما ضابطها؟
قال النادل: ضابطها اثنان:
أن يكون المكسب الذي تنال به حلالا.. وأن لا يكون فيها أي مضرة.
لقد جمع a بين الأمرين، فقال: (لا ضرر ولا ضرار).. فالضرار يعني أن لا
يكون تنعمنا بمضرة غيرنا.. والضرر أن لا نأكل ما يضرنا.
قال الرجل: فكيف تميزون بين ما يضركم وما لا يضركم؟
قال النادل: ذلك علم عميق.. وقد استفدنا بحمد الله أصوله من
نبينا، وفروعه مما أثبته العلم الحديث.. فالعلم الحديث خادم للعلم القديم، وفرع
عنه.
نظر إليه الرجل بإعجاب، وقال: أرى أن معارفك لا تتناسب مع
وظيفتك.. فأنت تصلح لأن تكون عالم غذاء، لا نادلا في مطعم.
قال النادل: إن عملي في مطعم لا يحول بيني وبين ذلك.. بالإضافة
إلى أنه لا يمكنني أن أتولى هذه الوظيفة، وأنا أجهل ما يرتبط بها.. لقد نهانا
ديننا أن نخوض في أمر من غير أن تكون لدينا المعارف المرتبطة به.. ولهذا فإن كل
العمال في هذا المطبخ يكونون فيما يرتبط بوظيفتهم من علوم قبل أن يتولوها.