قال جعفر: سأذكر لك موطنين تتزلزل فيهما أقدام الرجال، لا يمكن
أن يثبت فيهما إلا من أوتي من اليقين ما تندك له الجبال.
الخوف:
قال الشاب: فما أولهما؟
قال جعفر: الخوف.. فأول امتحان لليقين هو الخوف.. فالخائف الذي
زلزل الخوف قلبه ينسى الحقائق التي لا تعمر إلا عقله.
قال الشاب: فاضرب لي مثالا على ذلك من حياة رسول الله a.
قال جعفر: لاشك أنك تعلم أن من أخطر المواقف التي مر بها رسول
الله a موقف
هجرته من مكة إلى المدينة.. حيث تعقبه المشركون يريدون قتله، وأرصدوا لذلك الجوائز
الجزيلة.. لكن رسول الله a في ذلك الموقف الشديد لم يهتز له عرق، ولم تصبه أي مخافة.. لقد
ذكر الله تعالى حال رسول الله a عند ذلك، فقال:﴿ إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي
الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:40)
إن هذا الموقف الشديد لا يمكن أن يقفه إلا إنسان عمر الشعور
بحضور الله كيانه كله، فلذلك لم يعد في صدره أي خوف من أي شيء.
قال الشاب: صحيح هذا.. ففي المخاوف قد ينسى أحدنا ما تعلمه من
علوم، وما عرفه من معارف.
قال جعفر: وهكذا كان رسول الله a في كل حياته.. ففي الطائف التي ذهب
إليها رسول الله غريبا بين قوم قساة لا يعملون عقلا، ولا يعرفون رحمة.. ومكث معهم
عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، حتى قالوا: اخرج من بلادنا،
وأغروا به سفهاءهم،