فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى
اجتمع عليه الناس، فوقفوا له صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه،
ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء.
في ذلك الموقف الشديد لم يلتجئ محمد a إلا إلى الله.. وعند لجوئه إلى
الله لم يتعوذ إلا من غضب الله عليه.. لقد راح يقول بخشوع لا يمكن تصوره: (اللهم
إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِى، وقلة حيلتى، وهوإني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت
رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُنى؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِى؟ أم إلى عدو
ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور
وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو
يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)
وهكذا حينما أراد بعضهم أن يغتال رسول الله a.. في ذلك الموقف الشديد لم تصب
رسول الله a أي
رعدة خوف.. بل أيقن بأن الله الذي وعده أن يعصمه سيعصمه لا محالة.
عن جابر أنه غزا مع النبي a قبل نجد، فلما قفل رسول الله a قفل معهم فأدركتهم القائلة في واد
كثير العضاه، فنزل رسول الله a وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله a تحت سمرة، فعلق بها سيفه، ونمنا
نومة فإذا رسول الله a
يدعونا، وإذا عنده أعرابي، قال: إن هذا اخترط علي سيفي، وأنا نائم، فاستيقظت وهو
في يده صلتا قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله الله الله.. ولم يعاقبه وجلس[1].
[1] رواه البخاري ومسلم، وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في صحيحه
فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله، فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله a السيف فقال: من يمنعك
مني؟ فقال: كن خير آخذ. فقال: (تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟)، قال: لا
ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك.. فخلى سبيله فأتى أصحابه
فقال: (جئتكم من عند خير الناس)