خرجت من حلب قاصدا عاصمة الشام دمشق.. تلك المدينة التي ضمت
الحضارة الإسلامية قرونا طويلة..
في تلك المدينة التقيت الوارث الذي تعلمت على يده معنى قوله
تعالى:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾
(الكهف: 110).. وأيقنت أن معناها ليس محصورا فيما نفهمه من بشرية قريبة من
البهيمية.. وإنما هي بشرية سامية لا يكتمل كمال الإنسان إلا بتوفرها وكمالها[1].
سأقص عليكم القصة من البداية..
دخلت دمشق، وبالضبط إلى حي من أحيائها يسمى (الصالحية).. وقد
كنت حين دخلتها ممتلئا بالمعاني السامية التي استفدتها خلال رحلاتي السابقة، ولذلك
ابتدرت نفسي إلى انتقاد ما رأيته في دمشق من اهتمام كبير بالحياة الدنيا.
لقد كنت أرى أصناف المآكل التي توارثها أهل دمشق أبا عن جد..
وبجانبها أصناف الألبسة.. والرياحين.. والمراكب.. حتى المسابح التي أعدت لذكر الله
كنت أراهم يتفنون في حجارتها وألوانها وزخارفها.
وقلت لنفسي، وأنا أتجول في تلك الشوارع: (أين أنت يا أويس
القرني.. ويا بشر الحافي.. ويا بديع الزمان النورسي.. لتروا ما عليه هذه البلدة من
خلود إلى الأرض، وسكون إلى الدنيا)
[1] حاولنا أن نذكر في هذا الفصل ما يرتبط بسنن رسول الله a المرتبطة ببشريته، ولم
نرتبه بالترتيب المعهود إلى مباحث ومطالب تحتها من باب التيسير والاختصار، ولذلك
أدرجنا في كل مطلب كل ما يرتبط به من عناصر.. وننبه إلى أنا ذكرنا في بعض المحال الروايات
المختلفة في كل مسألة إما من باب التوثيق، أو من باب ذكر الخلاف بدليله إن كان
هناك خلاف.