قلت: لا أرى إلا أنك من الذين لبس عليهم الأمر.. فصاروا يحتالون
على النصوص المقدسة، ليختاروا منها ما يناسب أهواءهم.
قال: لا تقل ذلك.. لقد جربت مرة أن ألبس ملابس أويس، وأنتعل
حذاء بشر.. لكني لم أجد يدا تمتد إلي بالسؤال، بل وجدت الأيدي ـ على عكس ذلك ـ
تمتد إلي بالعطاء.. فرحت ألبس ما تراه ليقصدني السائلون، ويطرق بابي المحتاجون.
قلت: نعمت النية نيتك.. ولكن هل ترى ذلك كافيا ليجعلك من
المترفعين عن طينهم؟
قال: لقد خلق الله لنا طينا.. وطلب منا أن لا نحرمه مما يحتاجه
من ماء وهواء وكساء ومأوى.. إن طيننا أمانة عندنا.. ومن التقصير العظيم أن نضيع
الأمانة التي أمرنا بحفظها.
قلت: الإنسان روح لا طين.
قال: بل هو روح وطين.. ولا ينبغي للطين أن تبخس حق الروح، ولا
للروح أن تبخس حق الطين..
لقد خلق الله الموازين، والكامل هو الذي راعى تلك الموازين، فلم
يضيع ولم يطفف.
قلت: إن ما نطقت به حكمة لا يحق لي أن أجادلك فيها.. ولكني
أسألك: كيف ظهر لك أن تخاطبني بمثل هذا؟
قال: ألست تبحث عن الإنسان الكامل؟
قلت: بلى.. وأحسبني وجدته.
قال: لن تعرفه حتى تعرف أنه بشر.. هو بشر كالبشر.. ولكنه يوحى
إليه.
قلت: هل من الضروري أن يكون بشرا؟
قال: نعم.. لو لم يكن بشرا ما كان إنسانا.. ولقال آخر الناس: (إن
هذا من عالم آخر، فلا يحق له أن يكون الكامل من بيننا)