وقد جعلني ذلك أبحث بكل ما أوتيت من جهد ـ لا أمتطي مطية سوى
مطية العقل المجرد ـ عن الإنسان الذي استحق ذلك الشرف الرفيع.. شرف الوساطة بين
الله وعباده.
لقد قلت لنفسي في بداية بحثي عن هذا الإنسان الكامل الذي استحق
ذلك الشرف الرفيع: لاشك أن هذا الإنسان ممتلئ بالعظمة.. وممتلئ بالشهرة.. لأن الله
الحكيم يستحيل أن يبعث رجلا خاملا مغمورا لا يعرفه الناس.. وإلا كيف يهتدون إليه،
وكيف يتأسون به.. وكيف يتعلمون علومه[1].
وقد جرني ذلك إلى وضع سجل ضخم لكل العظماء الذين اشتهر بهم
تاريخ الإنسانية:
وقد وضعت في ذلك السجل أسماء ملوك جبابرة،
عاشوا في قصورهم الشامخة بين ندمائهم وجلسائهم، ملأوا القلوب مهابة وجلالة..
[1] ننبه إلى أننا في هذا الفصل استفدنا من كتاب (الرسالة
المحمدية) للسيد سليمان الندوي.. وقد اختلط أسلوبنا فيه بأسلوبه بناء على الضرورة
الفنية.. ولذلك لم نلجأ للتوثيق كل مرة.
وقد اخترنا كتابه ذلك باعتباره من أهم ما ألف في هذا
الباب.. والكتاب كما عرفه صاحبه عبارة عن (ثماني خطب في ثماني نواح من السيرة النبوية ـ
علَى صاحبها الصلاة والتحية ـ، ألقيتُها سنة 1344هـ باللغة الأردية ـ لغة عامة
الهند ـ علَى جماعات من شباب المسلمين وطلبة الكليات في مدينة مدراس بالهند؛
فاستمع لها الحاضرون بآذان صاغية، وتلقاها المستمعون بقلوب واعية، وقرَّظَتها
الصحف والمجلات بكلمات مشجعة، وامتدحها أهل الفضل بالثناء والإطراء؛ جزاهم الله
خيرًا)
وقد استعرض في محاضراته هذه كل ما نشرته أقلام الغرب من
السموم لتوجيه الطعن ضد الإسلام، والنيل من نبيه الكريم محمد a، فجاءت هذه المحاضرات لتبين أن
سيرة النبي الكريم محمد a هي الوحيدة التي ينبغي أن يتخذ منها الناس أسوة حسنة مباركة، وهي التي
تضمن لهم الفوز في الدنيا والآخرة، وأنها لا تقتصر على الكلام، وإنما تنبني
دعائمها على العمل والتطبيق والتنفيذ، ولا توجد هناك أي مقارنة بين سيرة النبي a وسير زعماء العالم ومؤسسي الديانات
والمذاهب الأخرى.
وقد لقيت هذه المحاضرات استحسان الكثير من العلماء، قال
الأستاذ معين الدين أحمد الندوي: (هذا الكتاب يشتمل على مئة وخمسين صفحة، ولكنه
يفوق المؤلفات الضخمة حول السيرة في وفرة المعلومات وندرة البحوث وشمول النفع
وكفاءة مفخرة للمؤلف)