لكني بعد أن وصلت إلى هذه القناعة وقفت
حائرا في الإنسان الذي أتبعه من هؤلاء جميعا..
لقد خيل لي في البدء: أنه يمكنني أن أعتبرهم
جميعا سرجا أستضيء بها، وأسلك سلوكها.. لكني وجدت التناقض بين أتباعها حادا بحيث
لا يستطيع أحد أن ينضم إلى جهة إلا إذا ترك ما عداها.
وقد جعلتني تلك الحيرة أبحث عن المنهج الذي
أتعرف به على الأحق منهم جميعا بأن يكون الإنسان الكامل الذي أبحث عنه.
وقد هداني إلى بعض هذا المنهج لقاء يسره
الله مع الشاعر طاغور.. ذلك أني كنت أمتطي الباخرة (كروكوديا) ـ الَّتِي ركبناها
في عودتنا من مصر والحجاز، في (شباط 1924) ـ وقد اجتمعنا فيها عرضًا بالدكتور
طاغور ـ الشاعر الذائع الصيت ـ وكان قافلًا من سياحته في أمريكا؛ فسأله بعض رفقته:
ما بال نِحْلَة (برهمو سماج) أخفقت في مساعيها ولم تنجح، مع أنها أنصفت الأديان، وجمعت
الحسنات، وسالمت جميع المِلَل، ومِن مبادئها وأصولها أن الديانات كلها علَى حق،
وأن جميع المصلحين من الأنبياء والرسل والهداة هم خيار الناس وصلحاؤهم، ثم إنها
ليس فيها ما يُخالف العقل، أو يعارض المدنية الحاضرة، أو يناوئ الفلسفة الحديثة،
وصاحب هذِهِ النِّحْلَة قد راعى فيها الظروف الراهنة والشئون المألوفة الآن، ومع
ذلك كله لم تنل من الفوز شيئًا، ولم يُتَح لها من النجاح قليل ولا كثير!؟
فأجاب الشاعر على البديهة: (إن النِّحْلَة
لم يكن لها داعية يدعو الناس إليها بسيرته الكاملة وهديه العالي، ولم يكن لها لسان
يدعو مُؤَيِّدًا بعمل يصدِّقه؛ فتهوي إليه أفئدة الناس وتطمح إليه أبصارهم، ويكون
لهم من الدعاة أسوة يأتسون بها، وقدوة يقتدون بها)
لقد جعلني كلامه هذا أضع تصورا عن هذا
الإنسان الذي هو حقيق بأن يكون واسطة