وكل ذلك صرفني عنه.. فلا يستطيع أحد أن يطمئن إلَى اتخاذ حياة
من شك في حياته أسوة لنفسه في الحياة، ما دام الشك وتَضارُب الآراء يحومان حول
زمانه وبلده ونَسَبه وأسرته وشريعته ودعوته وكتابه ولغته وعام وفاته ومكان موته،
والروايات عن ذلك أوهام وأقيسة وظنون لا تغني من الحق شيئًا.
نعم.. إن المحبين لزرادشت يعتذرون لذلك بأن كتبهم الدينية قد
ذهبت بها حروبهم مع اليونان، وأن أعداءهم أبادوها.. ولكن ذلك لم يكن يعنيني في
شيء.. لأن لكل أمة عذرها في اندثار سير عظمائها.. ولكل عظيم سبب لاندثار سيرته.
ولكن عذري الذي جعلني أنفر من كل ذلك هو أني وصلت إلى قناعة لا
يزعزعها الشك بأن الإنسان الذي يختاره الله لهذه الوظيفة العظيمة سيكون محفوظا في
وجه كل الأعاصير.. حتى تبقى سيرته وذكراه منارة يهتدي بها الجميع.
بعد أن يئست من زرادشت سرت نحو بوذا..
وقد وجدت أن البوذية أقدم الأديان، وأوسعها نطاقًا، وأكثرها
انتشارًا في سالف الأيام، فقد كان لها سلطان علَى الهند والصين وآسيا الوسطي
وأفغانستان وتركستان، ولا تزال إلَى الآن في سيام والصين واليابان وتبت.. وغيرها
من دول العالم.
وقد دعاني ذلك إلى البحث عن بوذا.. وكان أول سؤال سألته: هل
يُقيم التاريخ وزنًا لوجود بوذا؟ وهل يَقْدِر مؤرخ علَى أن يعرض للناس صورة حقيقية
لتاريخه؟ وهل يستطيع كاتب أن يصف ظروفه وأحواله الَّتِي كان عليها في حياته وصفًا
كاملًا لا يغادر شيئًا ـ من تحديد زمن ميلاده، ووطنه، وأصول دينه كما دعا هو إليه،
ومبادئ دعوته وأهدافها ـ؟
وبحثت في بطون التاريخ، وفي بطون الكتب المقدسة للبوذيين عن
جواب علمي لهذا السؤال.. فوجدت أن الجواب عن كل ذلك محجوب عن علم الناس بظلمات
كثيفة متراكمة، وكل ما أمكن للباحثين أن يعرفوه هو أنهم حاولوا تعيين زمان وجوده
بحوادث راجوات بلاد