قال: لقد بدأت بأقدم الأمم عهدًا.. هنادك الهند.. لقد وجدت في
تاريخهم مئات مِن العظماء والنابهين.. فرحت أبحث عن تفاصيل سيرهم لأعرف كيف أصير
كاملا بالاقتداء بهم..
لكني وجدت التاريخ أعجز من أن يعرفني بهم.. لقد وجدت أن الكثير
منهم لا يعرف الناس مِن شؤون حياتهم وحقائق أحوالهم إلَّا أسماءهم، وهم لا يحظون
في كتب التاريخ بمكانة؛ وإنما تُعَدّ سيرتهم مِن علم الأساطير وخرافات الوثنية..
لقد بحثت في أحسنهم سمعة.. رجال (فهاربتها) و(راماينا)
وأبطالها.. لكني وجدت أن سيرتهم لا تُعَدّ مِن التاريخ، بل لا يعرف التاريخ
زمانهم، فضلًا عن أن تتعين في الزمان قرونهم، أو تُعْرَف مِن قرونهم سنوات حياتهم.
لقد قام بنفس ما قمت به من دراسة بعض علماء أوروبا.. ذهبوا
فدرسوا تاريخ الهند القديم درسًا متواليًا، وقاسوا له أقيسة، وذهبوا في ذلك شوطًا
بعيدًا؛ فصاروا يُعَيِّنون عهد عظماء الهنادك وأبطالهم تعيينًا.. لكن الحقيقة
ومعها علماء الهنادك أنفسهم يعرفون أن كل ذلك مجازفة ورَجْم بالغيب.. بل إن أكثر
المحققين من علماء أوروبا لا يَعُدُّون ذلك من التاريخ، بل لا يعترفون بأن هؤلاء
قد وُجِدُوا في العالم يومًا ما.
تركت الهند لأذهب إلى فارس حيث صادفت زرادشت ـ صاحب الديانة
المجوسية ـ ووجدته مُعَظَّمًا عند كثير من أتباعه.. وبحثت في التاريخ عنه وعن
تفاصيل حياته.. لكن التاريخ لم ينبئني من نبئه ما يرضي غليلي.. بل إن التاريخ لم
يكشف الحجاب عن وجوده الحقيقي بعد.. فهو لا يزال سرًّا غامضًا مِن أسرار التاريخ،
حتى شك بعض المؤرخين من الأمريكين والأوروبيين في نفس وجوده!
أما المستشرقون الَّذِين يعترفون بوجوده التاريخي؛ فإنهم
يُثبتون بعض شؤون حــياته ـ بظنون متباينة وأوهام متباعدة ـ إثباتًا لا يَروي
غِلَّة ولا يَشفي عِلَّة.