لقد وجدت أن السُّنَّة المحمدية تكفي جميع شعوب البشر وطوائفهم
وفرقهم إذا اتخذوا منها الأسوة والقدوة.
قال الرجل: كيف ذلك، وحياة المحكوم لا تصلح لأن تكون قدوة لحياة
الحاكم، كما أن حياة الحاكم لا تصلح لأن تكون قدوة لحياة المحكوم.. والفقير
المعدَم لا يتسنَّى له أن يسير في معيشته علَى ضوء من حياة الغني المثري، والغني
لا يتسنى له أن يسير في معيشته على ضوء من حياة الفقير؟
قال: ولهذا امتلأت عجبا عندما رأيت أن الله وفر لمحمد حياة
جامعة؛ يجد فيها الناس كلهم علَى اختلاف طوائفهم الأسوة الكاملة في جميع ألوان
الحياة وأطوارها.. لقد رأيت أنها تشبه الباقة الجامعة لكل أصناف الزهور والورود
بجميع ألوانها؛ ففيها الأحمر القاني، والأبيض الناصع، والأخضر الناضر، والأصفر
الفاقع.
لقد بحثت في حياة سائر العظماء.. فلم أجد هذه الصفة إلا عند محمد..
لقد رأيت أن حياة موسى تمثِّل القوة البشرية العظيمة والبطش
الشديد، لكني لم أر في المأثور عنه ما تكون لنا فيه الأسوة من ناحية دماثة الخلق
وخفض الجَناح وسجاحة النفس وسماحتها.
ورأيت في حياة المسيح نماذج لسماحة النفس ورقة الطبع ودماثة
الخلق ولين الجانب؛ لكني لم أجد ـ فيما وصل إلينا من أخلاقه وأعماله ـ تفاصيل عن
شؤون حياته وأسرته؛ تحرك ساكن القوى، وتثير كوامن النفس، وتنبه القوى المتراخية.
مع أن الإنسان في حياته محتاج إلَى هذا وهذا؛ فكما يحتاج إلَى
ما يهدئ ثائر قواه ويسكن جائشها؛ يحتاج كذلك إلَى ما يثير الكامن من هذِهِ القوى
ويهيج ساكنها وينبه المتراخي منها.
إنه في حاجة إلَى حياة يتخذها قدوة له في هاتين الحالتين
المختلفتين، علَى أن يكون