فتنبه موسى u إلى
ما يريده فرعون من صرف الحوار عن موضوعه الحقيقي، فبادره بالاعتراف، حتى لا يضيع
الوقت في ذلك، فالوقت ثمين، والموقف لا يسمح بضياع شيء منه، ﴿ قَالَ
فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضّالّينَ ﴾ (الشعراء:20)
فقطع موسى u
بذلك الطريق على فرعون، كي لا يخرج عن الموضوع، وحتى لا يحول المحاورة إلى قضايا
شخصية.
ثم رد على شبهته في مسألة تربيته باختصار رابطا لها بالموضوع الذي
جاء من أجله، والذي هو تحرير بني إسرائيل:﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنّهَا
عَلَيّ أَنْ عَبّدتّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ (الشعراء:22)، أي: هل تعادل نعمة
تربيتك لي، بالإساءات والأذيات لبني إسرائيل، أوَ تريد أن تستر ظلمك، وتعبيدك بني
إسرائيل، بتربيتك لي، وبعبارة أخرى: أتذكر وتمن علي بتربيتك لي، وتتناسى ظلمك
واستعبادك لبني إسرائيل.
فلما فشل فرعون في إشغال موسى u والحضور بإثارة الماضي، لجأ إلى الاتهام
المباشر، وحاول السخرية من موسى واتهامه بالجنون، فلم يعبأ موسى u بمثل هذه الاتهامات، لأن فرعون أُسقط في
يديه، فلا حاجة بعد ذلك للرد على الأمور الشخصية، فالقضية أكبر، والوقت أثمن.
لقد استمر موسى u في
بيانه، وفي عرض أدلته.. فلما استهزأ فرعون به قائلاً:﴿ وَمَا
رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ (الشعراء:23) كان جواب موسى:﴿ رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾
(الشعراء: 24)
ولما قال فرعون للملأ حوله:﴿ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴾
(الشعراء:25)، قال موسى u ردا
عليه:﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ (الشعراء:
26)
ولما اتهمه فرعون بتهمة الجنون، أجابه موسى u في غير مبالاة بما يمس شخصه:﴿
رَبّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ
﴾ (الشعراء:28)