ولذلك ورد في الآثار تشبيهه بالسراج الذي يضيئ لغيره، بينما هو
يحترق.
أما الثاني، فقوله تعالى عن بني إسرائيل:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا
التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً
بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (الجمعة:5)، فبنو إسرائيل حملوا كتبهم
وعرفوا ما فيها، ولكنهم نسوا ما فيها من الهدي، ولم يشتغلوا بما يخرج حقيقتهم عن
البهيمية التي أوقعتها فيها شهواتهم.
قلت: فكيف تطبق هذين المثلين على ما ورد في النصوص المقدسة من عقوبة
الذي لم يعمل بعلمه؟
قال: إن القرآن الكريم يخبرنا عن الحقيقة من منبعها الصافي.. هو لا
يستعمل ألوان الطلاء التي نملأ بها حياتنا خداعا وغرورا.. إنه يواجهنا بالحقيقة..
إنه يقول بصراحة لمن تعلم العلوم الكثيرة، واجتهد في أن يقرأ المجلدات الضخمة:
تريث قليلا، وانظر إلى نفسك في مرآة الحقائق، واقرأها.. ولا تنشغل بالقراءة عنها،
فلعلك تجد فيها من الأدواء ما يعيد لها استقامتها وصحتها وعافيتها.
قلت: ولكن القرآن الكريم يشبه هذا الذي يصيح فيه بهذا بالحمار
والكلب؟
قال: أجل.. إنه يقول له: إن لم تفعل ذلك، فلا فرق بينك وبين الحمار
والكلب.. فالحمار يحمل العلوم لكنه لا يستوعبها، ولا يعيشها.. والكلب ليس له من هم
إلا اللهث، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث.
وهكذا طالب العلم الذي يظل يلهث وراء العلوم غافلا عن التحقق بها، أو
لاهثا وراء مكاسب العلوم المرتبطة بالطين، غافلا عن مكاسب العلوم المرتبطة
بحقيقته.
قلت: ولكن كيف يهان العالم وطالب العلم كل هذه الإهانة؟