قال: أرأيت لو لقنا آلة جميع المعارف والعلوم.. ووهبنا لها من الذكاء
الصناعي ما يجعلها تستطيع أن تقوم بأي عمل.. هل يخرجها ذلك من كونها آلة؟
قلت: لا.. نعم هي آلة ثمينة.. ولكنها تظل آلة.. ولو عرضت نفسها على
المرآة، فلن ترى غير آلة.
قال: فهكذا العالم الذي لم يعمل بعلمه.. إنه كسائر الناس.. له
شهواتهم وأهواؤهم ومطامحهم، هو في الظاهر اختلف عنهم بعلمه، لكنه في الحقيقة بقي
هو هو.. بل ربما يكون قد غذى لطائفه بالكبر والخداع والغش، فزاد في انحرافه على
انحراف العوام.. ولذلك إذا ذهب إلى محكمة الله، فإنه لن يرى في مرآتها إلا حقيقته
التي سترها بالألفاظ التي أجاد استعمالها والتلاعب بها.
قلنا: وعينا هذا.. وأدركنا خطره.. فحدثنا عن السر الثاني المرتبط
بالذين يرون العالم، ويسمعون منه.
قال: هذا مما يزيد طين العالم بلة.. إن العالم في هذا المحل كاللص،
بل هو أخطر من ذلك.. هو كالمجرم.. لا.. بل هو كالمحارب.. بل هو أعظم من ذلك بكثير.
قلنا: كيف ذلك؟
قال: لقد عبر بعضهم عن ذلك فقال:(احذروا زلة العالم لأن قدره عند
الخلق عظيم فيتبعونه على زلته)
قلت: زلة العالم هي خطؤه في علمه.. وخطؤه لا علاقة له بسلوكه.. ففرق
بين الخطأ والخطيئة.
قال: الزلة زلتان: زلة الخطأ وزلة الخطيئة، وكلاهما مما لا ينجو
منهما من لم يعمل بعلمه..
لقد أشار الله تعالى إلى ذلك، فقال:﴿ أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ