لقد ذكر الله في هاتين الآيتين أن أول ما يصيب العالم قسوة القلب..
ذلك أن مقصد العلوم تهذيب الطباع وتليين القلوب.. فمن لم يلن قلبه مع أدوية
العلوم، فلن يلين أبدا.
قلت: عرفت قسوة القلب.. وهي الخطيئة.. فأين زلة الخطأ؟
قال: لقد ذكرت الآية الثانية ذلك.. لقد ذكرت أن قسوة القلب أورثت
فيهم خصلتين مذمومتين: أما إحداهما، فتحريف الكلم من بعد مواضعه.. وأما الثانية،
فنسيانهم حظاً مما ذكروا به.
قلت: كيف ذلك؟
قال: العالم الذي لم يعمل بعلمه، سيجعل من علمه شباكا تصيد له ما
يطلبه هواه، فلذلك قد يكتم ما أمر بنشره، وقد يحرف ما أمر بحفظه.
قلت: تقصد الفتاوى الضالة؟
قال: وأقصد الخطب الضالة والمواعظ الضالة والاحتساب الضال.. إن
الانحراف يدخل على كل مشاعل الهداية إذا انحرف صاحبها.
قلت: أهذه فقط زلة الخطأ؟
قال: هناك زلة أخطر وأعمق.. إن الناس لا يسمعون بقدر ما يرون.. فلذلك
تجدهم يتأثرون بسلوك العالم أكثر من تأثرهم بكلماته.. ومثل هذا العالم لن ينتج إلا
المنحرفين.
وهناك صنف أخطر وأعظم يحول من العالم المنحرف معولا يهدم به الحقائق.