قال: ألا ترى كيف تنهار الأحزاب الكبرى نتيجة للفضائح التي يقع فيها
رؤساؤها؟
قلت: ذلك صحيح.
قال: فالعالم ـ في أذهان الناس ـ ممثل للدين وللقيم، فإذا انحرف كان
ذلك فرصة لمن يريد ضرب الدين أو تشويهه.
قال بعض الطلبة: لقد روي في هذا أن رجلا قال لابن عباس : أريد أن آمر
بالمعروف وأنهى عن المنكر، فقال:(إن لم تخش أن تفضحك هذه الآيات الثلاث فافعل،
وإلا فابدأ بنفسك، ثم تلا:﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾
(البقرة:44)، وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ
تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا
مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾ (الصف)، وقوله تعالى حكاية عن شعيب u:﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ
أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ (هود: 88)
قال بعض الطلبة: وعينا ـ يا شيخنا ـ كل ما ذكرته من ضرورة مزج العلم
بالعمل، وقد ملأتنا شوقا إلى العمل، كما ملأتنا رهبة من تركه.. فما الذي ييسر
علينا العمل الذي يجعلنا نتحقق بالعبودية؟
قال: ستدرسون هنا عشرة علوم.. كلها علوم عمل.. ولن تخرجوا من هذا
القسم حتى تتقنوها جميعا.
قلت: فما أولها؟
قال: أن يشغلكم علم العمل عن علم الجدل .. لقد ضرب الغزالي لذلك
مثالا، فقال:(فمثال من يعرض عن علم الأعمال، ويشتغل بالجدال مثل رجل مريض به علل
كثيرة، وقد صادف طبيباً حاذقاً في وقت ضيق يخشى فواته، فاشتغل بالسؤال عن خاصية
العقاقير