قلت: لكني تعودت أن لا أدخل محلا حتى أكون عارفا بأصوله.. فما أصوله؟
قال: لقد ذكر أهل الله ـ الذين مزجوا بين الفهوم الراقية للنصوص
المقدسة، مع التجربة الروحية العالية ـ هذه الأصول، ورتبوها كما ترتب العلوم، فصار
للشكر علما قائما بذاته له أصوله وفروعه وكل ما يرتبط به من أحكام.
قلت: لكني لا أرى هذا العلم يدرس؟
قال: تلك الغفلة.. الغفلة التي جعلتنا نهتم بنواقض الطهارة أكثر من
اهتمامنا بنواقض الشكر.
قلت: فما الحل؟
قال: الرجوع إلى الورثة الذين عرفوا هذا الدين.. وفهموه.. وعاشوه..
ثم ذهبوا بعد ذلك كله يملأون المصنفات نصحا لعباد الله.
قلت: لقد ذكر لي من قبلك أن كل مقام ينتظم من علم وحال وعمل.
قال: وهكذا الشكر.. فكل شيء ينتظم من علم وحال وعمل..
قلت: فما علم الشكر؟
قال: هو ينتظم من ثلاثة أمور: عين النعمة، ووجه كونها نعمة في حقه،
وبذات المنعم ووجود صفاته التي بها يتم الإنعام ويصدر الإنعام منه عليه.
قلت: هذا ما تقتضيه القسمة العقلية، ذلك أنه في كل نعمة من النعم
لابد من هذه الثلاثة: نعمة، ومنعم، ومنعم عليه تصل إليه النعمة من المنعم بقصد
وإرادة.
قال: هذا في الشكر عموما.. أما في حق الله تعالى، فلا يتم الشكر إلا
بأن يعرف أن النعم كلها من الله تعالى، وأنه هو المنعم الوحيد، وأن الوسائط
مسخرون من جهته.
وتتأسس هذه المعرفة على التقديس، وذلك بأن يعرف أن الله هو القدوس،
وأنه لا