قلت: أعلم أن المحبة هي غاية الغايات ومقصد المقاصد.. ولكن لم لم
يسهل لها الطريق كما سهل للشكر طريقه؟
قال: المحبة في حقيقتها تعني المحو والفناء والذوبان.. فلذلك لا يحب
إلا من استرخص روحه في سبيل محبوبه.. فأول خطوة في المحبة هي قتل النفس في ذات
الله:
قلت: أليس هناك خلاف في هذا.. فإني أحب أن أفر من الشدة إلى اليسر..
وقد علمت أن رسول الله a (ما
خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما حتى يكون إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس من
الاثم)[1]؟
قال: ليس هناك خلاف في هذا.. ولهذا شرط الله تعالى لحقيقة الصدق في
الحب القتال في سبـيل الله، فقال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (الصف:4)،
وقد روي في سبب نزولها أن المؤمنين قالوا:(لو نعلم أحب الأعمال إلى اللّه لعملنا
به، فدلهم اللّه على أحب الأعمال إليه)
ولهذا كان من علامة حب الله حب الموت في ذات الله، كما قال تعالى مخاطبا اليهود الذين زعموا أنهم أحباب الله وأولياءه:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ
أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الجمعة:6)
وقد قال البويطي لبعض الزهاد:(أتحب الموت؟) فكأنه توقف، فقال: لو كنت
صادقاً لأحببته، وتلا قوله تعالى:﴿ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ﴾ (الجمعة:6)، فقال الرجل: فقد قال النبي a:(لا يَتَمَنَّيْنَّ أَحَدُكُمْ المَوْتَ)[2]، فقال: (إنما قاله لضر نزل به،
لأنّ الرضا بقضاء