قال: لقد قال الله تعالى يبين قلة هذا النوع من السالكين:﴿
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ
(14)﴾(الواقعة)
قلت: فصف لي أهل هذه المنزل.. لعل ما تصفه منهم يشوقني إليهم، وإلى
المنزل الذي سكنوا فيه.
قال: لقد جاء في أثر إلهي أوحى الله به إلى بعض أهله في وصفهم:(إن لي
عباداً أحبهم ويحبونني، ويشتاقون إليَّ وأشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم، وينظرون
إليَّ وأنظر إليهم، فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك)، فقال: يا رب وما
علامتهم؟ قال: (يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي غنمه، ويحنون إلى غروب
الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، فإذا جنهم الليل، واختلط الظلام، وخلا كل حبـيب
بحبـيبه نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إليَّ
بإنعامي، فبـين صارخ وباكي وبـين متأوّه وشاكي بعيي ما يتحلمون من أجلي وبسمعي ما
يشتكون من حبـي. أوّل ما أعطيهم أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر
عنهم. والثانية: لو كانت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما في موازينهم
لاستقللتها لهم. والثالثة: أقبل بوجهي عليهم أفترى من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أحد ما
أريد أن أعطيه؟)
[1] ومع
ذلك، فهناك أسباب يمكن كراهية الموت بسببها مع تحقق المحبة، وقد أشار إلى مجامع
ذلك الغزالي في قوله:( فإن قلت: من لا يحب الموت فهل يتصوّر أن يكون محباً لله؟
فأقول: كراهة الموت قد تكون لحب الدنيا والتأسف على فراق الأهل والمال والولد،
وهذا ينافي كمال حب الله تعالى لأنّ الحب الكامل هو الذي يستغرق كل القلب، ولكن لا
يبعد أن يكون له مع حب الأهل والولد شائبة من حب الله تعالى ضعيفة، فإنّ الناس
متفاوتون في الحب) انظر: الإحياء: 4/331)