ما قال ذلك حتى شعرت بروحي ترق، وبجسدي يشف معها، وما هي إلا لحظات
قصار حتى وجدت نفسي بقرب ذلك المنزل الذي لم أجد في حياتي منزلا أجمل ولا أكمل ولا
أقدس منه.
***
ما استتم صاحبي حديثه هذا حتى وجدنا أنفسنا قد قطعنا المرحلة السادسة
من الطريق من غير أن نشعر بأي عناء أو تعب.. ولم يخطر على بالي طيلة هذه المرحلة
ما كنا نقطعه من غابات موحشة، ومن سباع عادية تتربص بنا من كل اتجاه.
لقد تنزلت علي بمجرد قطعي لتلك المرحلة أشعة جديدة اهتديت بها بعد
ذلك إلى شمس محمد a.
سألت صاحبي عن أبي مدين وكيف تركه، فقال: لقد تركته يمد يديه إلى
الناس يبايعهم على السير في طريق الله، وقد كثر أتباعه كثرة لم أكن أتصور أن تبلغ
ما بلغت.
قلت: فما رأيت من سر ذلك؟
قال: لقد وضع الله تعالى في الإنسان ما يملؤه بالأشواق إليه.. ولذلك
قد يشرق الإنسان أو يغرب، وقد يتيه ما يتيه، ولكنه لا يجد في الأخير ملجأ إلا عند
الله.
قلت: عند الله.. لا عند أبي مدين.
قال: ألا تعلم أن الله إذا أراد أن يهبك الشفاء دلك على الطبيب
النطاسي الذي يخلصك من دائك؟
قلت: ذلك صحيح..
قال: فكذلك إذا أراد الله لقلبك الشفاء دلك على أهله العارفين به
الذين إذا رؤوا ذكر الله..
قلت: ففي الإسلام رجال دين إذن هم واسطة بين العباد وربهم؟