قال: كما ترك المال ترك المنبر.. فالنفس تحب المال كما تحب
الجاه.. وقد جاء الشرع بتهذيب حب المال حتى لا تتحقق به إلا المصالح، وجاء بتهذيب
الجاه فجعل جاه المسلم في جاه دينه.
قلت: ما تعني بذلك؟
قال: إن المسلم الذي امتلأ قلبه حبا لله لا يصعد هذه المنابر
ليقول للناس:(اعرفوني)، ولكن يصعده ليقول للناس:(إني أمثل أعظم دين في الدنيا،
وأمثل أقدس القيم، فاعرفوها)
قلت: فأنتم تعلمون هؤلاء هذا؟
قال: أجل.. ولا نجيزهم إلا بعد أن نعلم لهم من الصدق ما يحول
بينهم وبين طلب الجاه الشيطاني الذي يختصر جميع القيم في ذواتهم.
الدعوة:
اقتربنا من أحد الخطباء، وقد كان صاعدا على صخرة كبيرة، فسمعناه
يردد بصوت عال أول خطبة للنبي a خطبها في مكة المكرمة، والتي رواها ابن عباس قال: لما نزلت:﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء:214) صعد النبي a الصفا، فجعل ينادي: (يا بني فهر،
يا بني عدي) لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا
لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: (أرأيتكم، لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد
أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟)، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: (فإني
نذير لكم بين يدي عذاب شديد)، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟
فنزلت:﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ
لَهَبٍ (3)﴾ (المسد)[1]
وقال رسول الله - a - في هذه الخطبة أيضا: (يا بني كعب بن لؤي،
أنقذوا أنفسكم