ذلك الفهم المحدود للدين، الممتلئ بالتعصب الذي يرى الأشياء بمنظار
واحد يلغي ما عداه مع أن ما عداه قد يكون عين ما ينكر عليه.
قال إقبال: صدقت.. لقد ذكرتني بقصة ذكرها
العارف الكبير مولانا جلال الدين البلخي الرومي في كتابه (المثنوى) قال: كان أربعة
من الفقراء جالسين في الطريق، وكل منهم من بلد، أحدهم رومي، والثاني فارسي،
والثالث عربي، والرابع تركي، ومرّ عليهم محسن، فأعطاهم قطعة من النقد غير قابلة
للتجزئة، ومن هنا بدا الخلاف بينهم، يريد كل منهم أن يجعل الآخرين على اتباع رأيه
في التصرف في هذا النحو، أما الرومي فقال نشترى بها (رستافيل)، والفارسي قال: أنا
لا أرى من (الانگور) بديلا، وقال العربي: لا والله لا نشتري به إلاّ (عنبا)، وقال
التركي متشددا في لهجة صارمة: أن الشيء الوحيد الذي أرضى به هو: (اوزوم)، أما ما
سواه فاني لا أوافق عليه أبدا، وجرَّ الكلام بين الأربعة إلى الخصام، وكاد يستفحل
الأمر لولا أن مرَّ عليهم رجل يعرف لغاتهم جميعاً، وتدخل للحكم بينهم.
فبعد أن سمع كلامهم جميعا، وشاهد ما
أبداه كل منهم من تشدد في موقفه أخذ منهم النقد، واشترى به شيئا، وما أن عرضه
عليهم حتّى رأى كل منهم فيه طلبته، قال الرومي هذا هو (رستافيل) الذي طلبته، وقال
الفارسي: هذا هو (الانگور) وقال العربي: الحمد لله الذي أتاني بما طلبت، وقال
التركي: هذا هو (اوزوم) الذي طلبته، وقد ظهر أن كلا منهم كان يطلب العنب من غير أن
يعرف كل واحد منهم أنه هو بعينه ما يطلبه أصحابه.
قال الكواكبي: ومما ورد في الحديث مما
يشير إلى ذلك ما روي أن النبي a قال
لأصحابه يوم بني قريظة: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)، فأدركتهم العصر في
الطريق، فقال قوم: لا نصلي إلا في بني قريظة وفاتتهم العصر، وقال قوم: لم يُرِدْ
منا تأخير