الجميلة التي دخل فيها رسول الله a المدينة التي ناصرته وسارت على قدمه.
مكثت في تلك المدينة من المدن المحاذية للأدغال فترة طويلة من الزمان،
وقد عجبت من التغير العظيم الذي حصل لها..
لقد كنت كغيري من المبشرين والسواح نتهيب الدخول إليها.. فقد كانت
الأنباء تسير إلينا بأن أهلها من أكلة لحوم البشر.. فلذلك لم يكن أحد يجرؤ على
الدخول إليها.. لكن ما رأيته فيها جعلني أحتار في أمري، وفي دقة المعلومات التي
كنا نحملها عنها.
وقد دعاني ذلك إلى أن أسأل محمدا الهادي عنها، فقال: لقد كانت هذه
المدينة كذلك.. ولم تكذبكم الأخبار التي وصلتكم عنها.
قلت: ولكني أراها كأنعم بلاد الله، بل هي أكثر بلاد الله سلاما
وإيمانا.
قال: ألم تكن الجزيرة التي جاءها رسول الله a جزيرة قاحلة يأكل بعضها بعضا؟
قلت: بلى.. ولكن الذي نجح في تحويلها هو محمد.
قال: لقد ترك لنا محمد a من مواريث الهداية ما يحول به كل جزيرة من جزائر الأرض إلى تلك
الجزيرة، وكل فرد من أفرادها إلا تلك النماذج العالية التي رباها.
قلت: ولكن هؤلاء كانوا أكلة لحوم البشر.
قال: إن هداية الله لا تضيق بأحد من الناس.. فلذلك ليس علينا إلا أن
ندعو إلى الله، ثم نترك الأمر بعدها لله.. وقد يجعل الله فيمن تحتقره من الهداية
ما لا تحلم به..
قلت: فأي جيش من الناس استطاع أن يحول هؤلاء؟
قال: في غرفة العمليات بمدينة رسول الله a جاءنا رجل، وأخبرنا عن هذه المدينة، وعن
ضلالها، وعن السلوك الذي تسلكه في حياتها، وقد ملأني ذلك ألما وحزنا.. فاستشرت أهل
الخبرة من أهل تلك الغرفة المباركة، فأعطوني من ترياق الهداية النبوية ما سرت به
إلى هذه المدينة.. وقد يسر الله لي أمرها، فلم أمكث فيها إلا قليلا حتى تحولت إلى
ما رأيت.