يبدأون إلا بالحدود.. حتى توهم البعض أن الإسلام لم يأت إلا ليقطع
ويجلد..
قال: أولئك جهلة منفرون.. إن مثلهم مثل من وصف طبيبا حكيما، فقال من
غير مقدمات تبين مهنته: هذا رجل لا هم له إلا إسالة دماء من يقصده، وتقطيع أوصالهم..
فهل ترى أحدا من الناس سيقبل عليه؟
قلت: وكيف يقبلون عليه، وقد نفروا منه.. بل خوفوا منه؟
قال: ولو قال لهم: هذا طبيب خبير يستأصل الأدواء، وينعم الله على من
يصحبه بالشفاء.. وهو إن اضطر إلى إسالة الدماء، فإنه لا يسيلها إلا ليداوي بها
العلل، ويبرئ بها من الأسقام.
قلت: حينذاك سيقبل الجميع عليه.. بل يتوددون له حتى يطهرهم.
قال: وهذا ما فعله رسول الله a.. لقد بث من الوعي الإيمان والأخلاقي في المجتمع ما جعل المجتمع هو
الذي يطالب بتطهيره وإقامة الشرائع عليه.
قلت: وعيت كل ما ذكرته في مراتب الخطاب، ولكن اعتراضا يفرض نفسه..
قلت: أجل.. فإن ما ذكرته قد يصلح مع من عاش الإسلام في مراحله الأولى..
أما نحن الآن فلسنا في العهد المكي.. ولذلك قد ينهار كل ما ذكرته من مراتب.
قال: لا أقصد بما ذكرته لك أني أريد إعادة إحياء العهد المكي بحروفه
وسنواته، فإن ذلك لم يقل به أحد من الناس، ولكني أقصد بأن الأسلوب الذي تعامل به
رسول الله a مع من دعاهم سواء في المرحلة
المكية أو المدنية كله يدل على هذا..
سأذكر لك نصين قد يقربان لك هذا، ويفتحان لك من الآفاق في هذا الباب
ما كان منغلقا: