على أطرافهم، يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم،
يناجون ربهم في فكاك رقابهم، إذا عملوا الحسنة فرحوا بها ودأبوا في شكرها وسألوا
الله أن يتقبلها، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله تعالى أن يغفرها لهم،
والله ما زالوا كذلك وعلى ذلك ووالله ما سلموا من الذنوب ولا نجوا إلا بالمغفرة.
وروى سعيد بن
كلثوم قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمّد فذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،
فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثمّ قال: (و اللّه ما أكل عليّ بن أبي طالب من الدّنيا
حراما قطّ حتّى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قطّ هما للَّه رضا إلّا أخذ بأشدّهما
عليه في دينه، وما نزلت برسول اللّه a نازلة قطّ إلّا دعاه ثقة به، وما أطاق أحد
عمل رسول اللّه a من هذه الأمّة غيره وإن كان ليعمل عمل رجل
كان وجهه بين الجنّة والنّار، يرجو ثواب هذه، ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله
ألف مملوك في طلب وجه اللّه عزّ وجلّ والنجاة من النّار ممّا كدّ بيديه، ورشح منه
جبينه، وإنّه كان ليقوت أهله بالزّيت والخلّ والعجوة، وما كان لباسه إلّا الكرابيس
إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعا بالجلم فقصّه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته
أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من عليّ بن الحسين ، ولقد دخل ابنه أبو جعفر عليه
السّلام عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد فرآه قد اصفرّ لونه من
السهر، ورمصت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه
وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء
فبكيت رحمة له وإذا هو يفكّر فالتفت إليّ بعد هنيئة من دخولي، وقال: يا بني أعطني
بعض تلك الصحف الّتي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب فأعطيته فقرأ منها شيئا يسيرا
ثمّ تركها من يده تضجّرا، وقال: من يقوي عبادة عليّ بن أبي طالب)[1]