فيناله من الهول والفزع ما لو قسم على أهل الجنة
لتنغص عليهم نعيمها، ويفتح له خزانة أخرى فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوءه، وهي
الساعة التي نام فيها أو غفل أو اشتغل بشيء من مباحات الدنيا فيتحسر على خلوها
ويناله من غبن ذلك ما ينال القادر على الربح الكثير والملك الكبير إذا أهمله
وتساهل فيه حتى فاته، ناهيك به حسرة وغبناً)
وهكذا تعرض
عليه خزائن أوقاته طول عمره فيقول لنفسه: اجتهدي اليوم في أن تعمري خزانتك ولا
تدعيها فارغة عن كنوزك التي هي أسباب ملكك، ولا تميلي إلى الكسل والدعة والاستراحة
فيفوتك من درجات عليين ما يدركه غيرك وتبقى عندك حسرة لا تفارقك وإن دخلت الجنة،
فألم الغبن وحسرته لا يطاق وإن كان دون ألم النار، وقد قال بعضهم: (هب أن المسيء
قد عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟)
لقد أشار الله
إلى هذا الغبن والحسرة، فقال :﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ
ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا
يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)﴾
(التغابن)
بعد العمل:
قلنا: علمتنا
كيف نحاسب نفوسنا قبل العمل.. فعلمنا كيف نحاسبها بعده.
قال: كما أن العبد
يكون له وقت في أوّل النهار يشارط فيه نفسه على سبـيل التوصية بالحق، فينبغي أن
يكون له في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها،
كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم حرصاً منهم على
الدنيا، وخوفاً من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته، ولو حصل
ذلك لهم فلا يبقى إلا أياماً قلائل، فكيف لا يحاسب العاقل نفسه بما يتعلق به خطر
الشقاوة والسعادة أبد الآباد؟ ما هذه المساهلة إلا عن الغفلة والخذلان وقلة
التوفيق نعوذ بالله من ذلك.