قال: كما
تكون المحاسبة مع الشريك تكون المحاسبة مع النفس.
قلنا: المحاسبة
مع الشريك تكون بأن ينظر في رأس المال، وفي الربح والخسران ليتبـين له الزيادة من
النقصان، فإن كان من فضل حاصل استوفاه وشكره، وإن كان من خسران طالبه بضمانه وكلفه
تداركه في المستقبل.
قال: فكذلك
رأس مال العبد في دينه الفرائض، وربحه النوافل والفضائل، وخسرانه المعاصي.. وموسم
هذه التجارة جملة النهار ومعاملة نفسه الأمارة بالسوء، فيحاسبها على الفرائض
أوّلاً، فإن أداها على وجهها شكر الله تعالى عليه ورغبها في مثلها، وإنّ فو تها من
أصلها طالبها بالقضاء، وإن أداها ناقصة كلفها الجبران بالنوافل، وإن ارتكب معصية
اشتغل بعقوبتها وتعذيبها ومعاتبتها ليستوفي منها ما يتدارك به ما فرّط - كما يصنع
التاجر بشريكه –
ثم ينبغي أن
يحاسب النفس على جميع العمر يوماً يوماً وساعة ساعة في جميع الأعضاء الظاهرة
والباطنة، كما نقل عن توبة بن الصمة وكان بالرقة وكان محاسباً لنفسه؛ فحسب يوماً
فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ
وقال: يا ويلتي ألقى الملك بأحد وعشرين ألف ذنب فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؟ ثم
خرّ مغشياً عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول: يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى.
فهكذا ينبغي
أن يحاسب العبد نفسه على الأنفاس وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل ساعة؛ ولو رمى
العبد بكل معصية حجراً في داره لامتلأت داره في مدّة يسيرة قريبة من عمره، ولكنه
يتساهل في حفظ المعاصي والملكان يحفظان عليه ذلك :﴿.. أَحْصَاهُ اللَّهُ
وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)﴾ (المجادلة)