ألم تعلمي أن الصالحين كانوا يذيقون أنفسهم آلام
الدنيا لترتدع وتتذكر عذاب الآخرة..
إن لم تكوني
تعلمي ذلك فاعلمي أن المحدثين ذكروا أنه انطلق رجل ذات يوم – في عهد النبي a
- فنزع ثيابه وتمرّغ في الرمضاء فكان يقول لنفسه: ذوقي ونار جهنم أشدّ حرّاً أجيفة
بالليل بطالة بالنهار؟ فبـينما هو كذلك إذ أبصر النبـي a
في ظل شجرة فأتاه فقال: غلبتني نفسي فقال له النبـي a:
(ألم يكن لك بد من الذي صنعت، أما لقد فتحت لك أبواب السماء، ولقد باهى الله بك
الملائكة)، ثم قال لأصحابه: (تزودوا من أخيكم)، فجعل الرجل يقول له: يا فلان ادع
لي، يا فلان ادع لي، فقال النبـي a: (عمهم)، فقال:
(اللهم اجعل التقوى زادهم، واجمع على الهدى أمرهم)، فجعل النبـي a
يقول: (اللهم سدده)، فقال الرجل: اللهم اجعل الجنة مآبهم[1].
وحدث صاحب
للأحنف قال: كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل، الدعاء، وكان يجيء إلى المصباح
فيضع أصبعه فيه حتى يحس بالنار ثم يقول لنفسه: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم
كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟
وحدث إسحاق
بن عمار قال : خرجت مع أبي عبد الله وهو يحدث نفسه، ثم استقبل القبلة فسجد طويلا،
ثم ألزق خده الايمن بالتراب طويلا، قال : ثم مسح وجهه ثم ركب، فقلت له : بابي أنت
وأمي لقد صنعت شيئا ما رأيته قط، قال : يا إسحاق إني ذكرت نعمة من نعم الله عزوجل
علي فأحببت أن أذلل نفسي، ثم قال : يا إسحاق ما أنعم الله على عبده بنعمة فشكرها
بسجدة يحمد الله فيها ففرغ منها حتى يؤمن له بالمزيد من الدارين.
ودخل ابن
السماك على داود الطائي حين مات - وهو في بـيته على التراب - فقال: يا داود سجنت
نفسك قبل أن تسجن وعذبت نفسك قبل أن تعذب، فاليوم ترى ثواب من كنت تعمل له.