رأيت البشر على وجهه.. لكنه أشاح بوجهه عني، وهو
يقول: ليس الشأن أن تعرف الملوك، ولكن الشأن أن ترفع الحجب عنك، فتدخل عليهم..
وليس الشأن أن تدخل عليهم، ولكن الشأن أن تستقر عندهم.. وليس الشأن أن تستقر عندهم،
ولكن الشأن أن تصلح لمنادمتهم.. وليس الشأن أن تنادمهم، ولكن الشأن أن تنصهر فيهم،
فلا تميز عنهم، ولا يميزون عنك[1].
قلت: كيف لا
أميز عنهم، ولا يميزون عني.. وأنا لي كياني الذي لا يمكن أن يندمج في أي كيان..
ولي دولتي التي لا تستعمرها أي دولة؟
قال: ذلك
عالم التراب.. أما عالم الأرواح الذي يمثل حقيقتك، فمختلف تماما.
قلت: فحدثني
عنه.. لقد بعث الله في من الأشواق إلى معرفة ذاتي ما بعثه قبل ذلك لمعرفته.
قال: أنت
تعلم دوري.. أنا دليل.. والدليل يدلك على طرق الحقيقة.. ثم يدعك تسير إليها.
قلت: لقد
تعودت منك أن تدلني على أبواب الحقيقة.. فما أبواب الـ (أنا)؟
قال: ثمانية..
عددها كأعداد أبواب الجنة الثمانية[2].
قلت: فما هي؟..
وكيف أهتدي إليها؟
قال: افتح
عينيك.. وسيقيض الله لك من يدلك عليها.
قلت: أنا لا
أرى في هذه البقعة إلا الهباء.. فكيف تطلب مني أن أفتح عيني، وأنت
[1]
نريد بهذا الإشارة إلى المعنى الرمزي للفناء.. أما الاتحاد بمفهومه الحسي، فلا
يقبله العقل المجرد، فكيف يقبله العقل المسدد بأنوار الوحي.
[2]
من الأحاديث الدالة على ذلك قوله a: (من
قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى
عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق،
أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء) [رواه البخاري ومسلم]