ولأجل هذا اشتد تحذير الصالحين من فراغ القلب من هذا
النوع من الحب، وقد قال بعضهم:( والله لو صمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا
أنامه، وأنفقت مالي غلقاً غلقاً في سبـيل الله أموت يوم أموت وليس في قلبـي حب
لأهل طاعة الله وبغض لأهل معصية الله ما نفعني ذلك شيئاً)
وقال آخر في
بعض كلامه :( هاه تريد أن تسكن الفردوس وتجاور الرحمن في داره مع النبـيـين
والصديقين والشهداء والصالحين؟ بأي عمل عملته؟ بأي شهوة تركتها؟ بأي غيظ كظمته؟
بأي رحم قاطع وصلتها؟ بأي زلة لأخيك غفرتها؟ بأي قريب باعدته في الله؟ بأي بعيد
قاربته في الله؟ )
قال الرجل:
صدقت فيما رويت.. ولكن ألا ترى من العجب أن تدعو هذه النصوص للبغض.. فهل يمكن أن
يحمل القلب الذي حوى جميع المشاعر الإيمانية النبيلة أي لون من ألوان البغض؟.. وهل
يمكن أن يكون البغض شعورا نبيلا؟.. وهل يمكن للقلب الذي تقدس بالحب المقدس أن
يتنجس بدنس البغضاء؟
قال آخر – وقد بدا عليه الغضب- : كيف تقول هذا، وأنت تقرأ في
القرآن دعوة الله إلى البراءة من أعدائه، ولا تكون البراءة منهم إلا ببغضهم..
لقد قال
تعالى يذكر ذلك :﴿ لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى
اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)﴾ (آل عمران)، فالآية الكريمة تنفي أي مكانة لمن
يوالي الكافرين دون المؤمنين، وتعقب ذلك بالتحذير الشديد الذي يدل على خطر موالاة
أعداء الله.
بل إن القرآن
الكريم يجعل مولى القوم منهم، فمولى اليهود والنصارى لا يختلف عن اليهود والنصارى،
قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)﴾ (المائدة)