قلت: فمن كان
شيخكم في الواحة السادسة من واحات الشدة الإيمانية؟ وما تعلمتم على يديه؟
قال: لقد كان
شيخنا فيها رجل قوي جلد ذو همة وعلم، وكان يقال له (قيس بن سعد)[1]
قلت: ما أشرف
من تعلمتم على يديه.. فما علمكم؟
قال: لقد علمنا
المروءة.
قلت: ما أشرف
ما تعلمتم على يديه.. فحدثني عن خبركم معه.
قال: عندما
دخلنا عليه واحته رأيناه يقف بجانب بعض النمل يطعمهم ويتعهدهم.. فاحترنا في موقفه
هذا، بل إن بعضنا قال لنا يخاطبنا: هلم بنا نبحث عن واحة أخرى.. فلا شك أننا لن
نجد في هذه الواحة طلبتنا.
التفت إليه
قيس، وقال: رويدك يا بني.. فإنك لن تقطع هذا التيه ما لم تمر على هذه الواحة.. ولن
يؤذن لك في واحة أخرى ما لم تمر علينا لتتعلم على أيدينا.
ضحك الرجل،
وقال: وماذا أتعلم على أيديكم.. أأتعلم إطعام النمل.. إن وقتنا أعظم من أن يضيعه
في مثل هذا؟
قال قيس: فما
تقول فيما أخبر رسول الله a أنه (بينما رجل
يمشي بطريق، اشتدّ عليه
[1]
أشير به إلى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، كان من كرام أصحاب النبي a، وكان أحد الفضلاء الجلة، وأحد
دهاة العرب، وأهل الرأي والمكيدة في الحرب مع النجدة والبسالة، وكان شريف قومه غير
مدافع هو وأبوه وجده، وكان لرسول الله a لما قدم مكة مكان صاحب الشرطة من الأمراء وأعطاه الراية يومئذ لما
انتزعها من أبيه.. وكان واليا لعلي بن أبي طالب على مصر، ولم يفارق عليا إلى أن
استشهد، ومات هو بالمدينة سنة ستين وقيل: سنة تسع وخمسين.