وإن شئتم أن
تعرفوا حقيقة هذا، فاعلموا أن الأحوال التي يمر بها الإنسان ثلاثة: حالة لم يكن
فيها شيئاً مذكورا.. وهي ما قبل وجوده إلى الأزل.. وحالة لا يكون فيها مشاهداً
للدنيا، وهي ما بعد موته إلى الأبد.. وحالة متوسطة بين الأبد والأزل، وهي أيام الحياة
في الدنيا..
فانظروا إلى
مقدار طولها، وانسبوه إلى طرفي الأزل والأبد، لتعلموا أنه أقل من منزل قصير في سفر
بعيد.. ولذلك ورد في الحديث قوله a :( ما لى وللدنيا
وما للدنيا وما لى والذى نفسى بيده ما مثلى ومثل الدنيا إلا كراكب سار فى يوم صائف
فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها)[1]
وقد أشار
المسيح u إلى هذا، فقال: (الدنيا قنطرة فاعبروها ولا
تعمروها).. وهذه حكمة عظيمة فالحياة الدنيا معبر إلى الآخرة، والمهد هو الميل
الأول على رأس القنطرة، واللحد هو الميل الآخر، وبينهما مسافة محدودة، فمن الناس
من قطع نصف القنطرة، ومنهم من قطع ثلثها، ومنهم من قطع ثلثيها، ومنهم من لم يبق له
إلا خطوة واحدة، وهو غافل عنها..
[1]
رواه أحمد وهناد والترمذى – وقال: حسن صحيح - وابن ماجه وابن سعد والطبرانى والحاكم
والبيهقى فى شعب الإيمان.