متعصبة الجلد عليها من كل زينة الدنيا والناس عكوف
عليها معجبون ينظرون إليها، فجئت ونظرت وتعجبت من نظرهم إليها وإقبالهم عليها،
فقلت لها: ويلك من أنت؟ قالت: أو ما تعرفني؟ قلت: لا أدري! من أنت؟ قالت: أنا
الدنيا، قلت: أعوذ بالله من شرك! قالت: إن أحببت أن تعاذ من شري فابغض الدرهم.
قال آخر: أما
أنا، فقد حدثني بعض الورثة، فقال: رأيت الدنيا في النوم عجوزاً مشوهة شمطاء تصفق
بيديها وخلفها خلق يتبعونها ويصفقون ويرقصون، فلما كانت بحذائي أقبلت علي فقالت:
لو ظفرت بك لصنعت بك مثل ما صنعت بهؤلاء، ثم بكى أبو بكر وقال: رأيت هذا قبل أن
أقدم إلى بغداد.
قال آخر: أما
أنا، فقد حدثني من امتلأ صلاحا وتقوى وورعا، فقال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في
صورة عجوز شمطاء زرقاء، أنيابها بادية ومشوه خلقها، فتشرف على الخلائق فيقال لهم
أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه! فيقال: هذه الدنيا التي تناحرتم
عليها، بها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم، ثم يقذف بها في جهنم
فتنادي: أي رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله عز وجل: ألحقوا بها أتباعها
وأشياعها.
قال آخر: أما
أنا، فقد حدثني مرشدي في الطريق إلى الله، فقال: بلغني أن رجلاً عرج بروحه فإذا
امرأة على قارعة الطريق عليها من كل زينة من الحلي والثياب، وإذا لا يمر بها أحد
إلا جرحته، فإذا هي أدبرت كانت أحسن شيء رآه الناس، وإذا هي أقبلت كانت أقبح شيء رآه
الناس، عجوز شمطاء زرقاء عمشاء، قال: فقلت: أعوذ بالله منك! قالت: لا والله. لا
يعيذنك الله مني حتى تبغض الدرهم! قال: فقلت من أنت؟ قالت: أنا الدنيا.
قالوا: عرفنا
الثالث، ووعيناه.. فهات الرابع.
قال: الرابع
هو أن تعلموا أن الدنيا دار ضلال وطغيان لمن يفتن بها، وبذلك فإنها تجرهم إلى سخط
الله وغضبه وشديد عقابه.. لقد ذكر الله ذلك، فأخبر عن تأثير الدنيا في