وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة للمرض
لا تعالج إلا بضدها فإن كانت من حرارة فبالبرودة، وإن كانت من برودة فبالحرارة،
فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب وعلاجها بضدها. فيعالج مرض الجهل بالتعلم، ومرض
البخل بالتسخى، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى تكلفاً.
وكما أنه لا
بد من الاحتمال لمرارة الدواء وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة
فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة والصبر لمداواة مرض القلب بل أولى. فإن مرض
البدن يخلص منه بالموت ومرض القلب مرض يدوم بعد الموت أبد الآباد.
وكما أن كل
مبرد لا يصلح لعلة سببها الحرارة إلا إذا كانت على حد مخصوص فكذلك النقائض التي
تعالج بها الأخلاق لا بد لها من معيار.
وكما أن
معيار الدواء مأخوذ من عيار العلة حتى إن الطبيب لا يعالج ما لم يعرف أن العلة من
حرارة أو برودة، فإن كانت من حرارة فيعرف درجتها أهي ضعيفة أم قوية؟ فإذا عرف ذلك
التفت إلى أحوال البدن وأحوال الزمان وصناعة المريض وسنه وسائر أحواله ثم يعالج
بحسبها، فكذلك طبيب النفوس لا يهجم عليهم بالرياضة والتكاليف في فن مخصوص وفي طريق
مخصوص ما لم يعرف أخلاقهم وأمراضهم.
وكما أن طبيب
الأجساد لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم فكذلك طبيب النفوس لو أشار على
المريدين بنمط واحد من الرياضة أهلكهم وأمات قلوبهم.. بل ينبغي أن ينظر في مرض
المريد وفي حاله وسنه ومزاجه وما تحتمله بنيته من الرياضة ويبني على ذلك رياضته.