قال: أترى أن
الله الرحيم الرحمن أنزل لكل داء من أدواء الأجساد ما يعالجه، ولم ينزل مثله ما
يداوي أدواء الأرواح؟
قلت: الجسد
مختلف عن النفس.
قال: لقد عبر
أولياء الله من الجسد إلى النفس، فذكروا أن[2] مثال النفس في
علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرديئة عنها وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة عليها،
مثال البدن في علاجه بمحو العلل عنه وكسب الصحة له وجلبها إليه.
وكما أن
الغالب على أصل المزاج الاعتدال، وإنما تعتري المعدة الضرر بعوارض الأغذية
والأهوية والأحوال، فكذلك كل مولود يولد معتدلاً صحيح الفطرة، وإنما أبواه يهودانه
أو ينصرانه أو يمجسناه - أي بالاعتياد والتعليم تكسب الرذائل –
وكما أن
البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً وإنما يكمل ويقوى بالنشو والتربية بالغذاء؛
فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال؛ وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق
والتغذية بالعلم.
وكما أن
البدن إن كان صحيحاً فشأن الطبيب تمهيد القانون الحافظ للصحة وإن كان مريضاً فشأنه
جلب الصحة إليه؛ فكذلك النفس منك إن كانت زكية طاهرة مهذبة فينبغي أن تسعى لحفظها
وجلب مزيد قوة إليها واكتساب زيادة صفائها، وإن كانت عديمة الكمال والصفاء فينبغي
أن تسعى لجلب ذلك عليها.