قال: حاش لله..
ولكن أولياء الله الذين جعلهم الله أدلاء عليه قد اتفقوا على أن على المريد في أول
سلوكه أن يتلخص من كل ما يشعره بأنانيته وقوته وغناه وعلمه.. فلا يمكن أن يصل إلى
الله إلا من تحقق بقصوره..
وقد روي في هذا أن شاهداً عظيم القدر من أعيان أهل بسطام
كان لا يفارق مجلس أبي يزيد، فقال له يوماً: أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر لا
أفطر وأقوم الليل لا أنام ولا أجد في قلبي من هذا العلم الذي تذكر شيئاً وأنا أصدق
به وأحبه، فقال أبو يزيد: ولو صمت ثلثمائة سنة وقمت ليلها ما وجدت من هذا ذرة!
قال: ولم؟ قال: لأنك محجوب بنفسك، قال: فلهذا دواء؟ قال: نعم، قال: قل لي حتى
أعمله، قال: لا تقبله، قال: فاذكره لي حتى أعمل، قال: اذهب الساعة إلى المزين
فاحلق رأسك ولحيتك وانزع هذا اللباس واتزر بعباءة وعلق في عنقك مخلاة مملوءة جوزاً،
واجمع الصبيان حولك وقل: كل من صفعني صفعة أعطيته جوزة، وادخل السوق وطف الأسواق
كلها عند الشهود وعند من يعرفك وأنت على ذلك، فقال الرجل: سبحان الله! تقول لي مثل
هذا! فقال أبو زيد: قولك (سبحان الله) شرك، قال: وكيف؟ قال: لأنك عظمتك نفسك
فسبحتها وما سبحت ربك! فقال: هذا لا أفعله ولكن دلني على غيره! فقال: ابتدئ بهذا
قبل كل شيء. فقال: لا أطيقه، قال: قد قلت لك إنك لا تقبل؟
قلت: ألا ترى
أن هذه الوصفة مخالفة للشرع؟
قال: لا..
هذا دواء من الأدوية التي يعالج بها المربون النفوس الممتلئة بالكبر والغرور.. وقد
أخبر a أن الله (ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء أو دواء
علمه من علمه وجهله