الصمت حكم وقليل فاعله، أي حصل العلم بع من غير سؤال
فاستغنى عن السؤال.. وقيل أنه كان يتردد إليه سنة وهو يريد أن يعلم ذلك من غير
سؤال.
قال آخر: فما
ترى السبب الباعث لهذا؟
قال هارون: سببه
الباعث عليه هو الحرص على معرفة ما لا حاجة به إليه، أو المباسطة بالكلام على سبيل
التودد، أو تزجية الأوقات بحكايات أحوال لا فائدة فيها.
قال آخر: فما
ترى العلاج المستأصل لهذا؟
قال هارون: علاج
ذلك أن يعلم أن الموت بين يديه، وأنه مسئول عن كل كلمة، وأن أنفاسه رأس ماله، وأن
لسانه شبكة يقدر أن يقتنص بها ما شاء من الخير.. فإهماله ذلك وتضييعه خسران مبين..
هذا من حيث العلم.. أما من حيث العمل فقد كان بعض الصالحين يضع حصاة في فيه ليتنبه
بذلك، فيلزم نفسه السكوت عن بعض ما يعنيه حتى يعتاد اللسان ترك ما لا يعنيه.
قال الرجل:
فهل تنصحنا بذلك؟
قال هارون:
لا أنصحكم بذلك.. ولكني سأدلكم في التداريب على الكثير من السبل العملية لذلك.
قلنا: وعينا
هذا.. فما غيره؟
قال هارون: فضول
الكلام.
قلنا: فما
تريد بهذا؟.. وما الفرق بينه وبين الذي قبله؟
قال هارون:
هو الخوض فيما لا يعني أو الزيادة فيما يعني على قدر الحاجة.. فإن من يعنيه أمر
يمكنه أن يذكره بكلام مختصر، ويمكنه أن يجسمه ويقرره ويكرره.. ومهما تأدى مقصوده
بكلمة واحدة فذكر كلمتين، فالثانية فضول - أي فضل عن الحاجة –
قال رجل منا:
أهذا أيضا مذموم، وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر ؟