قال زكريا: سل ما بدا لك.. وسلوا ما بدا لكم.. فلم
أجلس هذا المجلس إلا لتسألوني، وأجيبكم.
قال الرجل:
الحكم على الشيء فرع عن تصوره.. ونحن نطلب منكم أن تذكروا لنا حقيقة الجاه أوحقيقة
الشهرة التي امتلأت قلوبنا محبة لها.. فإن الغارق في شيء قد لا يدرك ما هو فيه كما
يدركه من بعد عنه.
قال زكريا:
الجاه كالمال.. كلاهما ركنان من أركان الدنيا.. وبما أن المال واضح جلي، ومحسوس وملموس،
فإنا نتخذه مطية للتعرف على الجاه.. أجيبوني: أليس المال هو ملك الأعيان المنتفع
بها؟.. أو ليس الغني هو الذي يملك الدراهم والدنانير، أي يقدر عليهما ليتوصل بهما
إلى الأغراض والمقاصد وقضاء الشهوات وسائر حظوظ النفس؟
قلنا: بلى..
قال زكريا:
فهكذا الجاه.. فهو ليس إلا ملك القلوب المطلوب تعظيمها وطاعتها.. وليس ذو الجاه إلا
الذي يملك قلوب الناس، أي يقدر على أن يتصرف فيها ليستعمل بواسطتها أربابها في
أغراضه ومآربه.
وكما أنه
يكتسب الأموال بأنواع من الحرف والصناعات فكذلك يكتسب قلوب الخلق بأنواع من
المعاملات.
قال رجل منا:
فمعنى الجاه إذن هو قيام المنزلة في قلوب الناس، أي اعتقاد القلوب لنعت من نعوت
الكمال فيه، فبقدر ما يعتقدون من كماله تذعن له قلوبهم، وبقدر إذعان القلوب تكون
قدرته على القلوب، وبقدر قدرته على القلوب يكون فرحه وحبه للجاه.
قال زكريا:
أجل.. الأمر كما تقول.. ولذلك ثمرات ينالها ذو الجاه كالمدح والإطراء، فإن المعتقد
للكمال لا يسكت عن ذكر ما يعتقده، فيثني عليه.. وكالخدمة والإعانة فإنه لا يبخل
ببذل نفسه في طاعته بقدر اعتقاده فيكون سخرة له مثل العبد في أغراضه.. وكالإيثار