قلت: عرفت فضل الشكر.. فما هو الشكر؟.. هل هو تلك الكلمات التي
تقولها ألسنتنا، وقلوبنا غافلة عن معناها؟.. أم هو معاني معينة في القلب.. وما هي
تلك المعاني؟.. ولم حكم الله بقلة الشاكرين؟.. ولم كانت لهم الزيادة دون غيرهم؟..
ولم كان هذا مقاما من مقامات التقديس؟.. ولم..
قاطعني، وقال: رويدك.. لا العلم ينال بالعجلة .. ولا السلوك .. أنسيت
أنك مررت بمقام الصبر؟
قلت: أجل فاعذرني.. لقد ذكر لي من قبلك أن كل مقام ينتظم من علم وحال
وعمل.. فهل الشكر مثل غيره من المقامات في هذا؟
قال: أجل.. فكل شيء ينتظم من علم وحال وعمل..
قلت: فما علم الشكر؟
قال: هو ينتظم من ثلاثة أمور: عين النعمة، ووجه كونها نعمة في حقه،
وبذات المنعم ووجود صفاته التي بها يتم الإنعام ويصدر الإنعام منه عليه.
قلت: هذا ما تقتضيه القسمة العقلية، ذلك أنه في كل نعمة من النعم
لابد من هذه الثلاثة: نعمة، ومنعم، ومنعم عليه تصل إليه النعمة من المنعم بقصد
وإرادة.
قال: هذا في الشكر عموما.. أما في حق الله تعالى، فلا يتم الشكر إلا
بأن يعرف أن النعم كلها من الله تعالى، وأنه هو المنعم الوحيد، وأن الوسائط
مسخرون من جهته.
وتتأسس هذه المعرفة على التقديس، وذلك بأن يعرف أن الله هو القدوس،
وأنه لا مقدس إلا واحد، وما عداه غير مقدس.. ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود
من ذلك الواحد فقط،