فالكل نعمة منه، فتقع هذه المعرفة في
الرتبة الثالثة، إذ ينطوي فيها مع التقديس والتوحيد: كمال القدرة والانفراد
بالفعل.
وقد عبر رسول الله a عن
هذا، فقال:(من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر كتب له بكل
حرف عشر حسنات)[1]، وقال:(أفضل الذكر لا اله الا
الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)[2]، وقال:(والحمد لله تملأ
الميزان)[3]
فسبحان الله كلمة تدل على التقديس، ولا إله إلا الله كلمة تدل على
التوحيد، والحمد لله كلمة تدل على النعمة من الواحد الحق.. والحسنات بإزاء هذه
المعارف التي هي من أبواب الإيمان واليقين.
وتمام هذه المعرفة ينفي الشرك في الأفعال، فمن أنعم عليه ملك من
الملوك بشيء، فإن رأى لوزيره أو وكيله دخلاً في تيسير ذلك وإيصاله إليه فهو إشراك
به في النعمة، فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه، بل منه بوجه ومن غيره بوجه،
فيتوزع فرحه عليهما فلا يكون موحداً في حق الملك.
قلت: وعيت هذا، فلا يشكر إلا من أفرد الله بالشكر، واعتقد أن الخير
كله بيده.. فما يثمر هذا من الأحوال؟
قال: لقد اختلفت تعابير أهل الله عن تلك الحال اللذيذة التي يجدونها
عند حصول هذه المعرفة في قلوبهم.. فقال بعضهم:(لست بشاكر مادمت تشكر، وغاية الشكر
التحير، وذلك أن الشكر نعمة من الله يجب الشكر عليها وهذا لا يتناهى).. وقال آخر:(شكر
النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا).. وقال آخر:(الشكر معرفة العجز عن الشكر).. وقال آخر:(الشكر
أن لا ترى نفسك