قال: أجل.. فالتوكل منزل من منازل الدين، ومقام من
مقامات الموقنين.. بل هو من معالى درجات المقربين.. ولذلك فإنه مقام كل الأنبياء
والأولياء والورثة.
قلت: فحدثني
عنه وعن حقيقته، فإني أرى الناس يختلفون فيه اختلافا شديدا..
قال: التوكل
باب من أبواب الإيمان.. وهي جميعا لا تنتظم إلا بعلم، وحال، وعمل.
قلت: أعرف
ذلك.. وأعرف أن العلم هو الأصل، وأن العمل هو الثمرة، وأن الحال هو المراد باسم
التوكل.. فهل ستبدأ بتعريف السابق، أم تراك تبدأ باللاحق؟
قال: بل نبدأ
بالسابق، نبدأ بالعلم، الذي هو أصل التوكل.
قلت: فما
العلم الذي نصل به إلى حال التوكل.
قال:
التوحيد، الذي يترجمه قولك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. والإيمان بالقدرة
التي يترجم عنها قولك: له الملك .. والإيمان بالجود والحكمة الذي يدل عليه قولك:
وله الحمد.. فمن قال (لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو
على كل شيء قدير)، تمّ له الإيمان الذي هو أصل التوكل.
رحت أصيح
بهذه الكلمات، وأنا ممتلئ فرحا، وقلت: ها أنا الآن قد أصبحت متوكلا، فلم لم يظهر
سلم النور الذي أرتقي به إلى المقام التالي.
ابتسم، وقال:
لو كان الدين ينال باللسان وحده، لكان كل الناس أولياء وصديقين وشهداء..
قلت: فقد قلت
تلك الكلمات بكل لطائفي، واستشعرها جميع وحداني، وأنا الآن أشعر بأن الله واحد..
وليس معه إله ثان.
ابتسم، وقال:
وهذا الشعور وحده لا يكفي لتحقيق التوكل.. فعلم التوكل أعظم من ذلك.