بقيت مدة مع يحي يحدثني عن الزهد وأركانه، ويرغبني
فيه، وفي كيفية تنظيم حياتي على أساسه، حتى رأيت سلما من نور لم أكن أراه من قبل،
فقلت من غير أن أشعر: ما أجمل هذا السلم.. وما أبهاه.. وما أعظم نوره!
قال: هل
رأيته؟
قلت: أجل..
فما أجمله من سلم!
قال: ما دمت
قد رأيته، فقد فتح لك - إذن - باب هذه الطبقة.. وقد أذن لك في أن ترقى هذا السلم
لتصل إلى الطبقة الأخرى من هذا الجبل المقدس.
6 ـ التوكل
اقتربت من
السلم، ورقيت درجاته إلى أن وصلت إلى أرض ممتلئة بالجمال والنور والصفاء.. ما سرت
فيها قليلا حتى وجدت رجلا ممتلئا نورا، فسألته: من أنت؟
قال: أنا سمي
ذلك الذي جعله الله نموذجا للتوكل العالي.
قلت: من
تعني؟
قال: ذلك
الذي وضع في المنجنيق ليرمى به إلى ما أضْرَم له أعداء الله من النار، فلم يتحرك
قلبه، ولم ترتعد فرائصه، بل بقي كالطود الأشم لا تزعزعه الرياح، بل سرت السكينة من
باطنه إلى ظاهره إلى ما حوله، فأطفأت ببرودتها وسلامها نار أعدائه.
قلت: تقصد
إبراهيم الذي ذكره الله، فقال :﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا
آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا
وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ
الْأَخْسَرِينَ (70)﴾ (الأنبياء)