تركتهم ينتناشدون الأشعار، وسرت في ناحية أخرى، فرأيت
رجلا يحاور صاحبه، ويقول له بصوت هو أقرب إلى الهمس منه إلى الجهر[1]: لست وحدك في هذا.. فأنا ومن تراه من الناس.. جميعنا نعتقد بأشياء كثيرة،
ثم لا تلبث حتى ينسخها الواقع.. فقد أعتقد أن لدي ما يكفي من اللبن في الثلاجة، ثم
أذهب لأتأكد، فأكتشف خطئي.
ورغم ذلك فمن
المبرر عادة أن نصدق شخصا يزعم بوجود اللبن في ثلاجته، لمجرد أنه يقول ذلك.
بينما من
يزعم بأن لديه تنينا في بيته، فهو لن يحظى بهذه السهولة بالتصديق حتى ولو أرانا صورة
له، فقد تكون صورة مزورة.
قال له
صاحبه: فأنت ترى أن الزعم بوجود إله أو آلهة زعم استثنائي؟
قال: أجل.. وبكل
المقاييس.. فلم ير أحد منا إلها في حياته اليومية، ولا يعرف أحد شكل مثل هذا الإله،
ولا يستطيع التخاطب معه للتأكد من أفكاره حوله.. ولذلك فهذا الإعتقاد بحاجة إلى
أدلة استثنائية لتبريره.
وللأسف، فإن ما
نراه لدى جميع الأديان هو عدم وجود أي أدلة استثنائية، تتناسب مع الطبيعة
الاستثنائية للزعم بوجود الآلهة.. وإنما نجد مقابل ذلك آليات اجتماعية ثقافية
لانتقال المعتقدات بشكل وراثي بين الأجيال.
وكما أن
المؤمن بالله يرفض وجود إله الإغريق (زيوس) لعدم كفاية الأدلة، فكذلك يرفض الملحد
وجود (الله) لعدم وجود الأدلة.. لذلك فعلى المؤمن بإله أو آلهة أن يبرر إيمانه
بأدلة استثنائية.
[1]
اهتممنا هنا بذكر مقالات الملاحدة وشبههم، أما الرد المفصل عليها، فقد ذكرناه في
رسالة (الباحثون عن الله) من هذه السلسلة.