قلوبهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم،
فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم وأكفهم، وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله
تعالى في فكاك رقابهم.
قال الأول:
فصف لي نهارهم.
قال الثاني: وأما
النهار فحلماء علماء، أبرار أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر
فيحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، ويقول: قد خولطوا! ولقد خالطهم أمر عظيم! لا
يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير. فهم لانفسهم متهمون، ومن أعمالهم
مشفقون.
قال الأول:
فكيف حالهم إذا أثنى الناس عليهم؟
قال الثاني: إذا
زكي أحد منهم خاف مما يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم منــي
بنفسي! اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا
يعلمـون.
قال الأول:
فزدني من علاماتهم ما يرفع همتي، ويملؤني شوقا لمنازلهم.
قال الثاني: من
علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزما في لين، وإيمانا في يقين، وحرصا في علم،
وعلما في حلم، وقصدا في غنى، وخشوعا في عبادة، وتجملا في فاقة، وصبرا في شدة،
وطلبا في حلال، ونشاطا في هدى، وتحرجا عن طمع.. يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل،
يمسي وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر. يبيت حذرا، ويصبح فرحا؛ حذرا لما حذر من
الغفلة، وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة. إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم
يعطها سؤلها فيما تحب.
كان الأول
يسمع بلهفة شديدة، وروحه تكاد تخرج شوقا وطمعا، ولم يلتفت الثاني إليه، بل راح
يقول وهو مستغرق في عوالم لا أراها: قرة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى،
يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل.. تراه قريبا أمله، قليلا زلله، خاشعا قلبه،
قانعة