وبعدما
امتحنني ببعض الامتحانات، ورأى أني قد نجحت فيها أجازني في هذا القسم، وأمرني أن
أسير إلى القسم السادس..
6 ـ الجبن
سرت إلى
القسم السادس.. وقد كان شيخه رجلا فاضلا عالما قدم من الهند، وقد سمعتهم يلقبونه
بمجدد الألف الثاني، وكانوا يطلقون عليه اسم (أحمد السرهندي)[1].. ولم أكن أدري سر هذه الألقاب والتسميات إلى أن علمت أن الرجل قد وقف
في حياته نفس المواقف الشجاعة التي وقفها سميه من قبل أمام السلاطين الكبار
المستبدين.
بعد أن سمعت
ما سمعت من أخبار شجاعة السرهندي مما امتلأت نفسي له طربا سألت شيخي أحمد الرفاعي
متعجبا، ونحن سائران إلى القسم، قلت: أليس من العجب أن يوضع هذه الشيخ الفاضل
الشجاع في هذا القسم؟
ابتسم
الرفاعي، وقال: إن قلع الجبن لا يمكن أن يكون إلا من طرف الشجاع الذي تحدى الصعاب..
هو وحده الذي لديه الخبرة الكافية لأن يخلص كل جبان من جبنه..
[1]
أشير به أحمد بن عبد الأحد بن زين العابدين بن عبد الحي العُمَري، السرهندي -
ويقال السهرندي - الهندي(971 ـ 1034 هـ) كان فقيهاً حنفياً، مدرّساً، من مشاهير
الصوفية، يلقب بمجدد الاَلف الثاني، ولد بسهرند (بين دهلي ولاهور من بلاد الهند)
سنة إحدى وسبعين وتسعمائة.. ودرس العلوم والتصوّف على أبيه، والعقليات على كمال
الدين الكشميري، والحديث على يعقوب بن الحسن الصرفي، والقاضي بهلول البدخشي..
وانصرف للتدريس والتأليف، ولمّا توفّي أبوه سافر إلى دهلي، ولقي هناك رضي الدين
عبد الباقي النقشبندي، فأخذ عنه الطريقة النقشبندية في التصوّف، وأجازه بإرشاد
ووعظ المريدين كما شرع بتدريس الفقه والاَُصول والكلام والتفسير والحديث.. وسجنه
سلطان الهند جهانگير بن أكبر لمدة ثلاث سنين لامتناعه عن السجود تعظيماً له،
وأطلقه بشرط الاِقامة معه في معسكره، فقبل ونفّذ الشرط، وبعد وفاة السلطان رخّصه ابنه
شاهجهان، فعاد السهرندي إلى بلاده وأكبّ على التدريس حتى توفّي. له رسالة في إثبات
النبوّة، ورسالة في المبدأ والمعاد، وتعليقات على (عوارف المعارف) للسهروردي،
ومكتوبات في ثلاث مجلّدات وغير ذلك. (انظر: موسوعة أصحاب الفقهاء)