فليست الشجاعة إلا التخلص من الجبن والضعف الذي يفرزه
الجبن[1].
دخلت القسم..
وكان أول ما سمعته في حلقه الدرس قول بعض التلاميذ: يا شيخنا.. لقد قدمنا هنا من
بلاد بعيدة، ونحن نريد منك أن تخلصنا من الجبن.. فقد امتلأت قلوبنا رعبا، ونفوسنا
ضعفا، وصرنا مسخرة للناس..
قال آخر: لقد
وصفنا حالنا بعضهم، فقال: (إن أحسّ بعصفور طار فؤاده، وإن طنّت بعوضة طال سهاده،
يفزع من صرير الباب، ويقلق من طنين الذّباب، إن نظرت إليه شزرا أغمي عليه شهرا،
يحسب خفوق الرّياح قعقعة الرّماح)
قال آخر: وقد
علمنا أنه لا يمكن استئصال أمراض النفوس دون التعرف عليها، وعلى الجذور التي تمدها
بالحياة.
قال آخر: لقد
اكتشفت أن السبب الأكبر لجبني هو جهلي.. ذلك أني كلما أقدمت قيل لي: أنت متهور.. فصرت
بعدها لا أفرق بين الشجاعة والتهور.. وقد أدى بي ذلك إلى ما أنا فيه من الجبن..
قال السرهندي:
رويدكم.. سأجيبكم واحدا واحدا.. ولنبدأ من الأول.. لا بد أن تعلموا – أحبابي الكرام- أن الجُبن هو الخوف الّذي يورث
الإنسان الذلّة والمهانة والسقوط، ويحطّ من قدر صاحبه، ويتلف طاقاته ما كان منها
بالفعل أو بالقوة ويفضي به بعد ذلك إلى أن يتسلط عدوه عليه.
ومن وفقه
الله فتخلص من الجبن رزق الشجاعة والشهامة والجرأة، وهي كلها المفاتيح التي لا
يمكن أن يفتح أي باب من أبواب النصر والفلاح من دونها.
ولذلك ذم
الله تعالى الجبن في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، بل اعتبره من صفات
[1]
سنرى تفاصيل أخرى ترتبط بهذا الموضوع في مبحث (الشجاعة) في فصل (شديد) من هذه
الرسالة.