وفي المقابل ذكر موقف المؤمنين، فقال :﴿ وَلَمَّا
رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا
وَتَسْلِيمًا (22)﴾ (الأحزاب)
وقد أشار إلى
هذا المعنى باب مدينة العلم في عهده لمالك الأشتر حين قال له: (اِنَّ الْبُخْلَ
وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزٌ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ)
قالوا: عرفنا
الأول.. فحدثنا عن الثاني.
قال: الشعور
بحقارة النفس وهوانها.. ولهذا نجد أنه كلّما كانت شخصية الإنسان نافذة وقوية وشعر
الإنسان معها بالكرامة واحترام الذات كان ذلك رافدا من روافد شجاعته وشهامته.. وقد
أشار إلى هذا المعنى قوله a: (تجدون النّاس
معادن، فخيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون من خير النّاس
في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه.. وتجدون من شرار النّاس ذا الوجهين الّذي
يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)[1]
وأشار إليه الإمام
علي في قوله: (شِدَّةُ الْجُبْنِ مِنْ عَجْزِ النَّفْسِ وَضَعْفِ الْيَقِينِ)
قالوا: عرفنا
الثاني.. فحدثنا عن الثالث.
قال: الجهل
وقلّة المعرفة.. حيث أنهما يتسببان غالباً في نشر الخوف الموهوم، كما نرى في خوف
الإنسان من الأشخاص أو الحيوانات الّتي لا يعرفها على وجه الدقة، ولكن عندما تتضح
له الصورة ويتعرف عليها تذوب حالة الخوف في نفسه تدريجياً.
ويشير إلى
هذا من القرآن الكريم قوله تعالى عن داود u
:﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ
بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ
وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ (22)﴾ (ص)
فداود u
شعر بالخوف قبل أن يعرف حقيقتها، فلما عرفها زالت مخافته.